مشارى راشد

RSS Feed (xml)

موقع مشارى راشد

GOOGLE:
مدونتى

Powered by Blogger

Google

الملحمه النونيه..الدكتور يوسف القرضاوى

ثار القريـض بخاطـري فدعونـي
أفضـي لكـم بفجائعـي وشجونـي
فالشعر دمعي حين يعصرني الأسـى
والشعر عودي يوم عـزف لحونـي
كم قال صحبي أيـن غـر قصائـدي
تشجي القلـوب بلحنهـا المحـزون
وتخلّـد الذكـرى الأليمـة لـلـورى
تتلـى علـى الأجيـال بعـد قـرون
ما حيلتي والشعـر فيـض خواطـرٍ
مـا دمـت أبغيـه ولا يبغيـنـي ؟
واليـوم عاودنـي المـلاك فهزنـي
طربـاً إلـى الإنشـاد والتلحـيـن
ألهمتها عصمـاء تنبـع مـن دمـي
ويمدهـا قلبـي ومــاء عيـونـي
نونيـة والنـون تحلـو فـي فمـي
أبـداً فكـدت يقـال لـي ذو النـونِ
صورت فيها ما استطعـت بريشتـي
وتركـت لـلأيـام مــا يعييـنـي
أحداث عهد عصابـة حكمـوا بنـي
مصـرَ بـلا خـلـقٍ ولا قـانـون
أنست مظالمهم مظالـم مـن خلـوا
حتـى ترحمنـا عـلـى نـيـرون
حسبوا الزمان أصـمّ أعمـى عنهـم
قـد نـوّمـوه بخطـبـةٍ وطنـيـن
ويراعـة التاريـخ تسخـر منهمـو
وتـقـوم بالتسجـيـل والتـدويـن
وكفـى بربـك للخليقـة محصـيـاً
فـي لـوحـه وكتـابـه المكـنـون
***
يا سائلي عن قصتـي اسمـع إنهـا
قصص مـن الأهـوال ذات شجـون
أمسـك بقلبـك أن يطيـر مفـزعـاً
وتـولّ عـن دنيـاك حتـى حيـن
فالهـول عـاتٍ والحقائـق مــرةٌ
تسمـو علـى التصويـر والتبييـن
والخطب ليس بخطب مصر وحدهـا
بل خطب هـذا المشـرق المسكيـن
فـي ليلـة ليـلاء مــن نوفمـبـرٍ
فزعت من نومـي لصـوت رنيـن
فـإذا كـلاب الصيـد تهجـم بغتـةً
وتحوطنـي عـن شمـألٍ ويمـيـن
فتخطفونـي مــن ذوي وأقبـلـوا
فرحـاً بصيـدٍ للطـغـاة سمـيـن
وعزلت عن بصر الحيـاة وسمعهـا
وقذفت فـي قفـص العـذاب الهـون
في ساحة (الحربي) حسبـك باسمـه
من باعث للرعـب قـد طرحونـي
ما كـدت أدخـل بابـه حتـى رأت
عينـاي مـا لـم تحتسبـه ظنونـي
فـي كـل شبـر للعـذاب مناظـرٌ
ينـدى لهـا والله كـل جبـيـن
فتـرى العساكـر والكـلاب معـدة
للنهـش طـوع القـائـد المفـتـون
هـذي تعـض بنابـهـا وزميلـهـا
يعـدو عليـك بسوطـه المسـنـون
ومضـت علـي دقـائـق وكأنـهـا
ممـا لقيـت بهـن بضـع سنـيـن
يا ليت شعري ما دهانِ؟ وما جـرى؟
لا زلـت حيـاً أم لقيـت منـونـي؟
عجبـاً أسجـن ذاك أم هـو غابـةٌ
برزت كواسرهـا جيـاع بطـون ؟
أأرى بنـاء أم أرى شقـي رحــى
جـبـارة للمؤمنـيـن طـحــونِ؟
واهـاً أفـي حلـم أنـا أم يقـظـةً
أم تـلـك دار خيـالـة وفـتـون ؟
لا لا أشـك هـي الحقيقـة حـيـة
أأشك فـي ذاتـي وعيـن يقينـي ؟
هـذي مقدمـة الكتـاب فكيـف مـا
تحوي الفصول السود من مضمون ؟
***
هذا هـو (الحربـي) معقـل ثـورة
تدعـو إلـى التحريـر والنكـويـن
فيـه زبانـيـة أعــدوا لــلأذى
وتخصصـوا فـي فنـه الملـعـون
متبـلـدون عقـولـهـم بأكـفـهـم
وأكفـهـم للـشـر ذات حـنـيـن
لا فـرق بينهمـو وبيـن سياطـهـم
كـل أداة فــي يــدي مـأفـون
يتلقـفـون القـادمـيـن كـأنـهـم
عثـروا علـى كنـزٍ لديـك ثميـن
بالرجـل بالكربـاج باليـد بالعصـا
وبكـل أسـلـوبٍ خسيـسـسٍ دونِ
لا يقـدرون مفكـراً ولــو أنــه
فـي عقـل سـقـراط وأفـلاطـون
لا يعبئـون بصالـحٍ ولــو أنــه
في زهد عيسـى أو تقـى هـارون
لا يرحمـون الشيـخ وهومحـطـمٌ
والظهـر منـه تـراه كالعـرجـون
لا يشفقون علـى المريـض وطالمـا
زادوا أذاه بـقـسـوةٍ وجــنــون
كـم عالـمٍ ذي هيـبـة وعمـامـةٍ
وطئـوا عمامتـه بـكـل مـجـون
لو لم تكن بيضـاء مـا عبثـوا بهـا
لكنهـا هـانـت هــوان الـديـن
وكبـيـرِ قــومٍ زينـتـه لحـيـةٌ
أغرتهـمـو بالـسـبِّ والتلعـيـن
قالـوا لـه :انتفهـا -بكـل وقاحـةٍ
لـم يعـبـأوا بسنيـنـه الستـيـن
فـإذا تقاعـس أو أبـى يـا ويـلـه
ممـا يلاقـي مــن أذىً وفـتـون
أتــرى أولـئـك ينـتـمـون لآدمٍ
أم هـم ملاعيـنٌ بنـو ملـعـون ؟
تالله أيــن الآدمـيــة منـهـمـو
مـن مثـل محمـودٍ ومـن ياسيـن
من جودة أو من ديـاب ومصطفـى
وحـمـادةٍ وعـطـيـة وأمـيــن
لا تحسبوهم مسلميـن مـن اسمهـم
لا ديـن فيهـم غيـر سـبّ الديـن
لا دين يـردع لا ضميـر محاسـبٌ
لا خـوف شعـبٍٍ لا حمـى قانـون
مـن ظـن قانونـاً هنـاك فإنـمـا
قانوننـا هـو حـمـزة البسيـونـي
جـلاد ثورتهـم وسـوط عذابـهـم
سـمـوه زوراً قـائـداً لسـجـون
وجـه عبـوس قمطـريـر حـاقـدُ
مستكـبـر القسـمـات والعرنـيـن
في خـده شـجٌ تـرى مـن خلفـه
نفـسـاً معـقـدةً وقـلـب لعـيـن
متعطـشٍ للسـوءِ فـي الـدم والـغٍ
فـي الشـرّ منقـوعٍ بـه معجـونِ
هـذا هـو الحربـي معقـل ثـورة
تدعـو إلـى التطويـر والتحسـيـن
هو صورة صغرى استعيرت من لظى
فـي ضيقهـا وعذابهـا الملـعـون
هو مصنـع للهول كـم أهـدى لنـا
صـوراً تذكرنـا بـيـوم الـديـن
هو فتنـة فـي الديـن لـولا نفحـةٌ
مـن فيـض إيمـانٍ وبـرد يقـيـن
***
قـل للعـواذل إن رميتـم مصرنـا
بتخـلـف التصنـيـع والتعـديـن
مصر الحديثة قـد علـت وتقدمـت
فـي صنعـة التعذيـب والتقـريـن
وتفننـت كـي لا يمـل مـعـذَّبٌ
في العـرض والإخـراج والتلويـن
أرأيـت بالإنسـان يُنـفـخ بطـنـه
حتى يُـرى فـي هيئـة البالـون ؟
أسمعـت بالإنسـان يُضغـط رأسُـه
بالطـوق حتـى ينتهـي لجنـون ؟
أسمعـت بالإنسـان يُشعـل جسمُـه
نـاراً وقـد صبغـوه بالفزلـيـن ؟
أسمعت ما يلقـى البـرئ ويصطلـي
حتى يقـول: أنـا المسـئُ خذونـي
أسمعت بالآهـات تختـرق الدجـى
ربـاه عدلـك .. إنـهـم قتلـونـي
إن كنت لم تسمع فسل عمّـا جـرى
مثلـي ولا ينبيـك مـثـل سجـيـن
واسأل ثـرى الحربـي أو جدرانـه
كـم مـن كسيـر فيـه أو مطعـون
وسل السياط السود كم شربـت دمـاً
حتـى غـدت حمـراً بـلا تلويـن
وسل (العروسة) قبحت مـن عاهـرٍ
كـم مـن جريـحٍ عندهـا وطعيـن
كـم فتيـة زفـوا إليـهـا عـنـوة
سقطـوا مـن التعذيـب والتوهيـن
واسأل (زنازين) الجليد تجبـك عـن
فـن العـذاب وصنـعـة التلقـيـن
بالنـار أو بالزمهريـر فتلـك فـي
حيـنٍ وهـذا الزمهـريـر بحـيـن
يُلقـى الفتنـى فيهـا ليالـي عاريـاً
أو شبـه عـارٍ فـي شتـا كانـون
وهناك يملي الاعتراف كمـا اشتهـوا
أو لا فويـل مخـالـفٍ وحــرون
وسل (المقطم) وهـو أعـدل شاهـدٍ
كم مـن شهيـدٍ فـي التـلال دفيـن
قتلتـه طغمـة مصـر أبشـع قتلـةٍ
لا بالرصـاص ولا القنـا المسنـون
بـل علقـوه كالذبيـحـة هيـئـت
للقـطـع والتمـزيـق بالسـكـيـن
وتهجـدوا فـيـه ليـالـي كلـهـا
جلدٌ وهـم فـي الجلـد أهـل فنـون
فإذا السيـاط عجـزن عـن إنطاقـه
فالكـي بالنيـران خيـر ضمـيـن
ومضـت ليـالٍ والعـذاب مسجّـرٌ
لفتـى بأيـدي المجرميـن رهـيـن
لـم يعبـؤوا بجراحـه وصديـدهـا
لـم يسمـعـوا لـتـأوهٍ وحنـيـن
قالوا اعترف أو مـت فأنـت مخيّـرٌ
فأبـى الفتـى إلا اختيـار مـنـون
وجرى الدم الدفاق يسطر في الثـرى
يا إخوتـي استشهـدت فاحتسبونـي
لا تحزنـوا إنـي لربـي ذاهــبٌ
أحيـا حيـاة الحـر لا المسـجـونِ
وامضوا على درب الهدى لا تيأسـوا
فاليأس أصـل الضعـف والتهويـن
***
قـل للـذي جعـل الكنانـة كلـهـا
سجناً وبـات الشعـب شـر سجيـن
يـا أيهـا المغـرور فـي سلطانـه
أمن النضار خلقت أم مـن طيـن ؟
يا من أسأت لكل مـن قـد أحسنـوا
لـك دائنيـن فكنـت شـر مـديـن
يـا ذئـب غـدرٍ نصبـوه راعـيـاً
والذئـب لـم يـك ساعـة بأمـيـن
يا من زرعت الشر لن تجني سـوى
شـرٍ وحقـدٍ فـي الصـدور دفيـن
سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضـت
دول أولات عسـاكـر وحـصـون
ستهـب عاصفـةٌ تــدك بـنـاءه
دكـاً وركـن الظلـم غيـر ركيـن
ماذا كسبت وقد بذلـت مـن القـوى
والمـال بــالآلاف والملـيـون ؟
أرهقـت أعصـاب البـلاد ومالهـا
ورجالهـا فـي الهـدم لا التكويـن
وأدرت معركـة تـأجـج نـارهـا
مع غير (جـون بـولٍ) ولا كوهيـن
هـل عـدت إلا بالهزيمـة مــرّةٍ
وربحت غيـر خسـارة المغبـون ؟
وحفرت في كـل القلـوب مغـاوراً
تهـوي بهـا سفـلاً إلـى سجّـيـن
وبنيـت مـن أشلائنـا وعظامـنـا
جـسـراً بــه نـرقـى لعليـيـن
وصنعت باليد نعش عهـدك طائعـاً
ودققـت إسفيـنـاً إلــى إسفـيـن
وظننـت دعوتنـا تمـوت بضربـةٍ
خابت ظنونـك فهـي شـر ظنـون
بليت سياطـك والعزائـم لـم تـزل
منّـا كحـدّ الـصـارم المسـنـون
إنـا لعمـري إن صمتنـا بـرهـةً
فالنـار فـي البركـان ذات كمـون
تـا لله مـا الطغيـان يهـزم دعـوةً
يومـاً وفـي التاريـخ بـرُّ يمينـي
ضع في يدي ّ القيد ألهـب أضلعـي
بالسوط ضع عنقـي علـى السكّيـن
لن تستطيع حصـار فكـري ساعـةً
أو نـزع إيمانـي ونـور يقيـنـي
فالنور في قلبـي وقلبـي فـي يـديْ
ربّي .. وربّـي ناصـري ومعينـي
سأعيش معتصمـاً بحبـل عقيدتـي
وأمـوت مبتسمـاً ليحـيـا ديـنـي

مشارى راشد

مشارى راشد

مشارى راشد